ما يحدث اليوم بلباس الإسلام على امتداد أصقاع الأرض ليس بالجديد
الطارئ لكنه قديم متجدد.. تغيرت فيه الشخوص والأسماء والأماكن
وطرائق القتل والإرهاب. لكن العقلية عينها مازالت ترعى وتغذي
هذا الشذوذ الفكري المتجسد إرهاباً بين الناس ووحشاً متعدد الأطراف
في أذهان الأجيال.
ومن المفارقات الملحوظة أن أرباب الإرهاب هؤلاء لا يمكنك أن تستدل
من مظهرهم على بواطنهم، فالحالة المظهرية لهم تبديهم وآثار الزهد
ذهبت بهم أبعد مذهب وعلامات وجوههم وحديثهم قد يأخذ بالألباب
وتحسبهم عباداً مخلصين. أما الحالة العملية لتحركاتهم فتظهر ذئباً
متوحشاً وعقلاً متحجراً وذهنية نمت في مستنقع الجهل قوامها المراوغة
وباعث نارها حمية جاهلية. يدعون حمل رسالة سماوية مؤتمنين على
أدائها وانتصارها مستعينين بالله على قتل عيال الله. وفي الحديث
النبوي الذي يدّعون الانتماء إلى فكره وعقيدته زوراً وبهتاناً «الخلق
كلهم عيال الله، وأحبُّهم إلى الله أنفعُهم لعياله».
هذا الحديث وحده يكشف زيف ادعائهم بالالتزام بشريعة الإسلام
والالتزام بما أُنزل، واتباع النبي محمد (ص). إنهم يتبعون ما تمليه
عليهم سرائرهم المريضة ويتعامون عما يخالف هواهم حتى لو كان
قرآناً ويخدعون العامة بمقولة الجهاد في سبيل الله وتحت راية رسوله
لتثبيت دعائم الدعوة.. وحقيقة الأمر أنه جهاد في سبيل الشيطان
وتحت راية الزندقة والكفر وتحقيق الرغبة بالحكم والسلطة، وإشباع
رغبات طالما حلموا بها.
أما الجهاد على ما ورد في الأثر فهو نوعان 1 ـ الجهاد الأكبر. 2 ـ
الجهاد الأصغر.
1 ـ أما الجهاد الأكبر فهو مجاهدة النفس لحملها على اجتناب المعاصي
وتحقيق السنن النافعة للناس جميعاً. فهل استطاع أصحاب الفكر
الإرهابي تطبيق ذلك والنجاح في هذا الامتحان والجواب لا فمجرد عرض
أعمالهم على هذا النمط من الجهاد نجدهم غير جديرين بالفوز وحتى في
حدود المقبول، ويثبت ذلك الحديث النبوي الذي أسلفناه وكيفية
التعامل معه.
2 ـ الجهاد الأصغر: وهو حمل السلاح للدفاع عن أرض الإسلام وأشخاصه
تجاه أي خطر يهدّدهم بالزوال والقضاء على دينهم وكيانهم، حيث
يطلب من المسلمين المساهمة كل حسب استطاعته في الدفاع عن أنفسهم
وأرضهم بدليل قوله تعالى: «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن
الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق» (الحج).
هذه كانت أولى آيات الجهاد ونزلت في السنة الثانية للهجرة وهي
بمثابة البيان العسكري الأول حيث حددت الاتجاهات والغايات من
الجهاد بمعناه العسكري وتحمل شقين الأول أن المسلمين المعتدى عليهم
وجب عليهم الدفاع عن أنفسهم والثاني أن المسلمين المشردين من
أرضهم عليهم استعادة أرضهم ببذل نفوسهم تجاهها.
وتتالت الآيات الجهادية ضمن الإطارين مع التأكيد على تمتين دعائم
الدعوة وإسماع الدنيا بهذه الرسالة وليس حمل الناس على الاتباع
مكرهين كقوله تعالى: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله
لله» (البقرة) وقوله: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي»..
على هذا يمكن استخلاص الهدف من الجهاد بمجمله بما يلي:
1 ـ الدفاع عن المسلمين المعتدى عليهم بغير حق.
2 ـ الدفاع عن أرض المسلمين المغتصبة.
3 ـ تثبيت العقيدة الإسلامية وجعلها بديلاً للعقائد الوثنية ودفع فتنة المشركين بالدعوة لآلهتهم من جديد.
فهل يسير هؤلاء مدّعو الإسلام وحاملو لواء دعوته حسب قولهم على نهج
القرآن والنبي؟ وكيف انحرف هؤلاء؟ ومن أين اتت جذورهم؟
حتى نهاية الفترة التي عاشها النبي محمد (ص) كان الضبط لعملية الجهاد
سائراً ضمن هذا الإطار، وما أن انتقلت السلطة إلى الخلفاء حتى بدأت
الأمور تأخذ حيزاً منحرفاً ذلك أن تثبيت الوضع السياسي الداخلي
نتيجة انتقال السلطة وما ألم به من خلل استدعى نقل المعارك إلى
الخارج لزج القوى الداخلية في معارك تشد عضد الناس وتغير أنظارهم
عن المشكلات الداخلية التي تظهر مع اتساع أركان رقعة الإسلام وأول
من طال هذا الاتجاه الجديد جماعات إسلامية أصلاً. هذا التحول في جهة
الجهاد فتح الباب للاجتهادات في كيفية التعامل مع مسألة الجهاد
وتطبيقها. وتجلّت المشكلات الداخلية بدءاً من مسألة المرتدين ثم مقتل
الخليفة عمر بطريقة ما زالت موضع جدل حول ملابساتها ومَنْ كان
وراءها وما تلا ذلك من ثورة ضد الخليفة عثمان وتفاقمت لتأخذ
رؤية فكرية وعملية في مقتل الإمام علي ليصبح الجهاد سلعة بيد كل
من هب ودب وظهرت نوازع التكفير وتأطرت ضمن مجموعات توجه تهم
الردة والكفر إلى كل من يخالف آراءهم ولعبت فيهم الأهواء وثارت في
نفوسهم حمية الجاهلية لإشباع رغبتهم في إراقة الدماء والفوضى
والإرهاب دون روية أو تبصر في أحكام الشريعة وغاياتها، وهم في
الوقت نفسه يدعون القيام بواجبها ويتمادون بتنصيب أنفسهم
نواباً عن الله في محاسبة الخلق وقد وصفهم الدكتور البوطي مخاطباً
(فليتق الله الذين يجازفون في إقامتهم أنفسهم مقام الله عزّ وجلّ
بتكفير مَنْ لم يحكم بما أنزل الله... ولينهوا أنفسهم عن الانسياق وراء
غيظ لا يحكمه منهج الإسلام وضوابطه ولا يقصد به وجه الله وحده).
هذه الأساليب التي وصفها الدكتور والتي يسير عليها جميع الفرق
المسلحة للدعوة الإسلامية في عصرنا هي عينها التي انتهجها الخوارج
وقالوا بتكفير المجتمع الإسلامي عموماً وخصوا الإمام علي وقاتلوه
وقتلوه. واستمرت فكرتهم بين مدٍ وجزر إلى يومنا تأخذ في كل عصر اسماً
جديداً وزعامات جديدة. لكن من أراد معرفة حقيقتهم عليه العودة
إلى أصول معتقداتهم وبداية نقول في وصف تيار الخوارج حسب الدكتور
عبد الرحمن البدوي (وخلاصة هذا التيار العود إلى الكلمة الأصلية
للدين معبراً عنها في الكتاب الكريم الذي أتي به دون تأويل ولا
ترخص بل بتشدد بالفهم لا يقبل المساومة والالتواء... وهم يتشددون
في التمسك بعمود الدين ضد جميع التيارات والفرق والأحزاب التي
تبدو لهم قد حادت عنه أو تأولت فيه لذا كان مذهبهم ضدّ كل
المذاهب). هذا التحجر في الفهم حول القرآن إلى أداة جامدة كأنها
ألم وعبء على معتنقيها ومن خلال هذا الفهم اعتدوا على الصحابة وقتلوهم وكفّروا عموم المسلمين وحاربوهم وقد نقل جورج فلها وزن عن الطبري وصف حالهم في عهد معاوية (فراحوا يتذاكرون مكان إخوانهم بالنهروان ويرون أن في الإقامة الغبن والوكف وأن في جهاد أهل
القبلة الفضل والأجر).
ومن الأحداث التي تدل على تحجرهم وإغلاق عقولهم أنه لما دعاهم الإمام
علي إلى تسليم قتلة ابن خباب وزوجته رفضوا حتى التفاوض في الأمر
وقال قائلهم (لا تسمعوا لكلامه بل استعدوا للقاء وجه الله الرواح
الرواح إلى الجنة) (الخوارج والشيعة).
هذا هو حالهم، وهذه سياستهم في نقل الدعوة، يقتلون الناس على
الخلاف في الرأي وينصبون أنفسهم نيابة عن الله، ويحكمون برقاب
المسلمين تحديداً ثم رقاب الناس عامة.. وقد سماهم النبي محمد بن عبد
الله (ص) بالمارقين حيث تجرأ أحدهم على رسول الله فقال عمر يا رسول
الله ألا أقتله فقال: «لا دعوه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون بالدين
حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد
شيء وينظر من فوق فلا يوجد شيء سبق الغرث الدم».
وقد عهد النبي محمد (ص) إلى الإمام علي قتالهم وقتلهم.
بعد أكثر من سبعة قرون تظهر دعوة الخوارج من جديد بصورة منقحة
جديدة تحوي علوم من سبق بزعامة ابن تيمية صاحب الفتوى الشهيرة
بتكفير جميع أهل القبلة المحمدية إلا من اتبعه بضلاله وجاهد بين يديه
في سفك دماء المسلمين. وأصبح أتباعه يعرفون بالسلفيين ودعوته
بالسلفية، تغيّر الاسم وبقيت الذهنية والعقلية والتوجّهات
والتصرفات ذاتها. والقصد من التسمية إيهام العامة بأنهم أتباع
السلف الأول وينطلق ابن تيمية المتوفى 728ه من اعتبارات هي طبق
الأصل لما تقدم عن الخوارج وملخصها:
1 ـ الالتزام بحرفية النص بفهم مغلق متشدد دون مراعاة أسباب
ورود النص أو نزوله ومحاولة تطبيقه في كل زمان ومكان دون الأخذ
بالأسباب.
2 ـ ادعاؤهم أن المسلمين من أشاعرة (السنة والجماعة) وكذلك
الإمامية وغيرهم أهل بدع وضلالة وأنهم وحدهم أهل الصدق والصفاء
اختصهم الله بفهم الكتاب واتباع السنة دون سائر خلقه من المسلمين.
وهو يقول في وصف الأشاعرة مثلاً (إنهم مخانيث المعتزلة) وقوله
(فالأشاعرة مخانيث الجهمية). وقد تناول كبار علماء المسلمين بالنقض
والتجريح والاتهام مثل قوله بالغزالي (إن كلامه في كتاب الأربعين هو
كلام الصابئة المتفلسفة) ثم تمادى في القول حتى طال الرعيل الأول
الذي يدعي التمسك بدينهم والسير على نهجهم فرأيه في أبي بكر أنه
أسلم شيخاً ولا يدري ما يقول وعمر له خطيات وأي خطيات أما عثمان
فهو رجل يحب المال وعلي أسلم صبياً ولا يصح إسلامه وأولاده، حتى قال
بعض بنفاق ابن تيمية لإظهاره البغض للإمام علي وولديه.
وهو في كل ما يقول ويفتي يدعي الالتزام بجمهور العلماء من المسلمين
فماذا كان رأيهم فيه بعد إثبات تكفيره لهم ومحاربتهم من قبله:
يقول الإمام السبكي واصفاً ابن تيمية (شق عصا المسلمين وشوش عقائد
المسلمين وأغرى بينهم) ويتابع قوله (خرج عن الاتباع إلى الابتداع
وشذ عن مخالفة المسلمين بمخالفة الإجماع).
أما العلامة شهاب الدين بن حجر الهيثمي المكي فيصف ابن تيمية
بقوله:
(ابن تيمية عبد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه)
وأسوأ ما سجل بحق الرجل اتباعه للتوراة وأخذه بما فيه مع الادعاء
بالتمسك بحرفية نص القرآن وإنكاره لما سواه، لكن حقيقة الأمر
تظهر تمسكه بالتوراة والأخذ بأقواله والدليل قوله (قد علم أن
التوراة مملوءة بإثبات الصفات التي تسميها النفاة تجسيماً ومع هذا
فلم ينكر رسول الله على اليهود شيئاًَ) وقد اعتمد على قوله هذا
بإثبات التجسيم خلافاً لجمهور علماء الإسلام وقد روي تأثره بمعاصره
ابن ميمون وأستاذه ابن ملكة وهما من كبار فلاسفة اليهود في عصره.
ويمكن رد أعماله وأقواله تتشابه بشكل عميق في التدمير والإرهاب
وسفك الدماء مع الحقد اليهودي الكامن في أسفار التوراة. وابن
تيمية يأخذها دليلاً في فتاويه. ولجمهور العلماء من المسلمين رأي في
أتباعه، يقول الإمام الشبكي واصفاً إياهم:
(ولكن له أتباعاً ينعقون ولا يعون، ونحن نتبرم بالكلام معهم ومع
أمثالهم ولكن للناس ضرورات إلى الجواب في بعض المسائل).
ومن رسالة الذهبي إليه وهو من مجيبيه ومريديه واصفاً تلامذته:
فهل معظم أتباعك إلا مقعد مربوط خفيف العقل، أو عامي كذاب بليد
الذهن أو غريب واجم قوي المكر، أو ناشف صالح عديم الفهم، فإن لم
تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل).
أما العلامة المحدث سلامة العزامي القضاعي فيقول فيهم (إنهم ما
مثلوا إلا سلف سوء من أشياخ المشبه وأئمة المجسمة) ويصف تقولهم على
كتاب الله ووضعهم الحديث على لسان الرسول (ص) بما يخدم أهواءهم
ويدعم حججهم.
أما العلامة تاج الدين ابن السبكي فقد وصفهم أنهم (يروون الكذب
لنصرة مذهبهم والشهادة على من يخالفهم في العقيدة بما يسوؤه في
نفسه وحاله).
بعد وفاة ابن تيمية وحكم علماء المسلمين عليه بالسجن حيث مات
فيه، اندثرت فتنته لقرون لتعود من جديد على يد محمد بن عبد
الوهاب «حتى جاء أتباعه في العصر الأخير فأحييوا الفتنة ونبشوا
النار الخامدة تحت التراب وكفّروا جميع المسلمين».
وهكذا عادت الأمور إلى سابق عهدها.. دعوة خارجية جديدة تحمّل
الدين ما لا يحتمل وتحمل الإنسان ما لا طاقة له به. لا تفهم حقيقة
الدين وأهدافه وغاياته وارتباطه بالمجتمع ودوره الرافع لشأن
المجتمع. الدين هو الوسيلة والواسطة لرفع المناقب الفردية لتصبح
مناقب اجتماعية تشكل حالة اجتماعية عامة صالحة لبناء أجيال
تتمتع برؤية واضحة لخدمة مصلحة المجتمع. والدين والتشريع وجداً
أساساً لخدمة الناس ورفع سويتهم وإخراجهم من دائرة التحجر
والفوضى إلى دائرة التسامح ووحدة العيش والحياة.
أما الخوارج قديمهم وحديثهم فيريدون جر الناس إلى حالة الهمجية
الأولى واعتبار الناس كلهم خدماً مطيعين لحرفية النصوص وأصبح الناس
في اعتقادهم مخلوقين لتطبيق النصوص وأي خلل في ذلك يجوز أن يأخذ
بطريقه آلاف الناس وهذا غير مهم، فالمهم عندهم ألا تكسر حرفية النص، وأن الناس مهما كلفهم الأمر عليهم عدم
التواني عن خدمة النصوص.
وأخيراً، ظهرت دعوة جديدة لأتباع السلفية الخوارجية الجديدة بزعامة
بن لادن ودعوة زرقاوية في بلادنا تدعي الحفاظ على الشريعة فتعتدي
على كتاب الله وعلى سنّة رسوله. تحمل دماء المسلمين وتنقل صورة
مشوهة عن الإسلام للعالم وتفتح الطريق أمام أعداء الأمة تحت شعار
محاربة الإرهاب وهؤلاء اللادينيون الزرقاويون أكبر مساعد وفيّ لليهود
والأمريكان في حربهم المسعورة ضد بلادنا وتراثنا الحضاري الفكري,
وهم من ناحية ثانية، بشنهم حرب الإبادة المعلنة ضد الشعب
العراقي يمهدون الطريق لليهود للوصول إلى الأرض المحروقة بعد إفناء
شعبها شيئاً فشيئاًَ.
فلا يكاد يمر يوم إلا وفيه العشرات من القتلى العراقيين بأيدي
خوارج العصر معتمدين على فتوى ابن تيمية.
وقد أقام خوارج العصر مارقو الدين دولتهم في أفغانستان، ونصبوا
لأنفسهم أميراً على مذهب الخوارج الأوائل، واعتبروا كل من سكن خارج
دولتهم كافراً مقيماً في دار الكفر ومرتداً عن دين الحق ـ حسب
اعتقادهم ـ وعملوا بمبدأ الاغتيال الديني وهذا صرحوا به عبر أكثر
من رسالة وزعت على الإنترنت.. وهم يعتبرون مصر والشام والعراق
دار كفر حتى يتم إحكام سيطرتهم عليها واعتبروا القادة المسلمين
كافة أئمة زيف سوى ملاّهم الموتور الضعيف الذي يسيره بن لادن صاحب
المال والسلطة وقائد الأوباش المضللين وهو، ومَنْ التف حوله من
أتباع، أشبه بذي الثدية وأتباعه أشبه بالخوارج المارقين فروّعوا
الناس وأغلقوا دور العلم لإنشاء أجيال جهلة وعادوا بالدنيا إلى
قرون الظلام الأولى تحت شعار صفاء الدعوة ونقائها متمترسين بفتاوى
ابن تيمية غير منحازين عن سيرة الخوارج وكما طعن ذو الثدية بقسمة
النبي يطعن بن لادن بعقيدة أهل القبلة وكما طعن ابن تيمية
بعظماء المسلمين الأوائل يطعن هؤلاء بعلماء المسلمين وكما أحلَّ
الخوارج الأوائل دماء المسلمين بدءاً من الإمام علي ومعاوية وعمرو
بن العاص أحلّ هؤلاء دماء قادة المسلمين. هذه هي دعوى السلفية
قديماً وحديثاً.
هكذا يصبح مفهوم الجهاد في عقول الخوارج الجدد. وللتذكير نقول إن
العناية النبوية أرادت أن تنبه الناس من هؤلاء المارقين، لذلك
يروي الإمام علي عن النبي في الحديث الصحيح: «لئن أخرج من السماء
أهون علي من أن أتقول على رسول الله فإني سمعت رسول الله يقول
سيأتي بعدي أقوام حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام يفترون على خير
البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من رميته اقتلوهم حيث
ثقفتموهم فإن لمن يقتلهم أجراً».
وعوداً على بدء نقول في تصرفات هؤلاء تكمن مشكلة الغباء الديني في
فهم الإسلام، إذ حولوا الدين إلى فكر متحجر ومنهج إرهابي صارم،
ليصبح الدين عقوبة على معتنقيه ولتزرف الدماء، وتهتك الحرمات في
صون النصوص دون معالجتها وجعلها تفتح آفاقاً لسعادة الناس من
خلال فهمها على نحوٍ يتوافق مع كل زمان ومكان.