روى مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: (من يردهم عنا وله الجنة ؟ أو هو رفيقي في الجنة ؟) فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ثم رهقوه أيضاً فقال: (من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة ؟) فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلملصاحبيه ـ أي القرشيين: (ما أنصفنا أصحابنا) .
وكان آخر هؤلاء السبعة هو عمارة بن يزيد بن السَّكَن، قاتل حتى أثبتته الجراحة فسقط .
وبعد سقوط ابن السكن بقي الرسول في القرشيين فقط، ففي الصحيحين عن أبي عثمان قال: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي يقاتل فيهن غير طلحة ابن عبيد الله وسعد ـ بن أبي وقاص ـ وكانت أحرج ساعة بالنسبة إلى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرصة ذهبية بالنسبة إلى المشركين، ولم يتوان المشركون في انتهاز تلك الفرصة، فقد ركزوا حملتهم على النبي صلى اللهعليه وسلم، وطمعوا في القضاء عليه، رماه عتبة بن أبي وقاص بالحجارة فوقع لشقه، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى، وكُلِمَتْ شفته السفلي، وتقدم إليه عبد الله بن شهاب الزهري فَشَجَّه في جبهته، وجاء فارس عنيد هو عبد الله بن قَمِئَة، فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة شكا لأجلها أكثر من شهر إلا أنه لم يتمكن من هتك الدرعين، ثم ضرب على وجنته صلى الله عليه وسلم ضربة أخري عنيفة كالأولي حتى دخلت حلقتان من حلق المِغْفَر في وجْنَتِه، وقال: خذها وأنا ابن قمئة. فقال رسولالله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهة: (أقمأك الله) .
وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كسرت رَبَاعِيَته، وشُجَّ في رأسه، فجعل يَسْلُتُ الدم عنه ويقول: (كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله)، فأنزل الله عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران:128] .
وفي رواية الطبراني أنه قال يومئذ: (اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله)، ثم مكث ساعة ثم قال: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) ، وفي صحيح مسلم أنه قال: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) ، وفي الشفاء للقاضي عياض أنه قال: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون).