غزة- ربما يتساءل البعض: هل هناك مجال للشاب والفتاة في فلسطين ووقت للتفكير في ذواتهم ومقاييس الجمال لديهم، وخطوط الموضة، ومتابعة البرامج المختلفة في الفضائيات التي باتت في كل منزل، وخاصة تلك البرامج التي أخذت من جسد المرأة محورًا للاهتمام، خاصة الأجنبية منها والمقلد من الفضائيات العربية؟
والجواب نعم، أليسوا هم ببشر، لهم من الأحاسيس ما لغيرهم، ومن الرغبات ما هو عند أمثالهم من الشباب؟ ورغم أن شغلهم هم أكبر وهو الاحتلال ومقاومته؛ فإن ذلك لم ينسهم أنفسهم والاهتمام بها، ولكن نظرة الشباب والشابات الفلسطينيين لعناصر الجمال وتلك الرسالة التي تبث عبر وسائل الإعلام الغربية عن موديل جسم المرأة حتى بات هاجسا يسيطر على عقول الكثير من الشباب بجنسيهما في عالمنا العربي، وهذا يلاحظ في درجة اهتمام المجلات النسوية وبرامج الفضائيات، ولكن الأمر يبدو مختلفا نوعًا ما، ولم يصل بعدُ إلى درجة الهاجس.
جمال الغرب.. تعرٍّ مرفوض
تقول أسماء -فتاة في العشرين من العمر، طالبة جامعية، وتعمل من أجل الإنفاق على نفسها-: إن من حق الإنسان التمتع بالجمال، وأن يحافظ على مظهر جميل حتى نهاية العمر، ولكن أن يصبح هذا الأمر هاجسا لدى المرأة فهذا الأمر مرفوض، وهو نلحظه لدى العديد من الشخصيات المشهورة اللائي أصبح لديهن هاجس، اسمه المحافظة على الجمال، وكأنه بات الهوية الوحيدة، حتى كدنا نرى الواحدة منهن كل يوم بشكل مختلف، وعمليات الجراحة التجميلية تفعل بهن العجب.
تؤكد أسماء حرصها على الأناقة والجمال ورشاقة الجسم، ولكن ليس كما تريدنا أن نكون؛ فالجمال والرشاقة التي تصلنا عبر وسائل الإعلام الغربية هي للتعري، وإظهار المفاتن، وعدم الاحتشام، ولكن مجتمعنا رغم كونه مجتمعا محافظا متدينا؛ فإننا نعيش فيه من الهموم ما يكفينا، ولكن اهتمامي بهذا الموضوع مقيد برغبة مني في الحفاظ على تقاليد المجتمع الذي أعيش فيه، وكذلك هنا أحب أن أؤكد أن الجمال مطلوب؛ فالله سبحانه وتعالى جميل يحب الجمال.
دون إفراط أو تفريط
وتضيف: أنا من طبيعتي أن أحافظ على جسمي، واضعة في اعتباري موضوع السِّمنة وزيادة الوزن، ولكن هذا الأمر في حدود المعقول، ودون إفراط أو تفريط، ولا يمكن أن يكون شغلي الشاغل هو السمنة والخوف منها، وهذا الأمر لا يهم فقط المرأة.. بل هو من اهتمام الشباب.
أما بالنسبة لاختيار شريك الحياة فتقول أسماء: "المظهر دائما ليس هو السبب الأساسي من وجهة نظري في اختيار شريك حياتي، صحيح الشاب الوسيم شيء محبب إلى النفس، ولكن الأهم من وجهة نظري هو جوهر هذا الشاب: ثقافته، فكره، تعليمه؛ فلو طلب مني الاختيار بين شابين: أحدهما وسيم وذو مظهر أنيق فقط، وآخر أقل وسامة ولكنه متدين أو ما شابه تلك الأمور؛ فقد أختار للوهلة الأولى ذلك الوسيم، ولكن عليّ أن أعطي نفسي الفرصة لدراسة كافة الجوانب المختلفة بين الاثنين؛ فقد أجد هذا الوسيم فارغًا من الداخل؛ فلن أقبل به؛ لأن هذا الفارغ قد يحول حياتي إلى جحيم، ولكن لو كان هذا الجمال الجسدي ممزوجا بجمال روحي وفكري وعلمي فلا أتردد في اختياره.
تبتسم أسماء وتقول: المظهر العام لا يبقى على حال، وما يبقى هو مدى ثقافة الإنسان وتعلمه وإدراكه للحياة؛ فالحياة بالنسبة لي ليست مكياجا وجمالا بحتا، ولكني أبحث عن جمال الروح والثقافة والانفتاح الفكري، أما خطوط الموضة والاهتمام بالجسد على حساب كل الأمور؛ فهو أمر لا يعنيني، ولا يشغل بالي كثيرا، وإن كنت أحافظ على جسدي؛ ليكون جميلا في حدود المعقول.
ليس بالجمال وحده نحيا
وترى رندة أحمد -ابنة الثلاثة والعشرين من العمر، جامعية- أن الاهتمام بالجسم والعناية به من الأمور التي تؤخذ في الحسبان، ولكن دون أن تتحول إلى مرض اجتماعي، وإذا أردنا أن نلاحق ما ينشر عبر الوسائل الإعلامية الغربية، وما يقلدها من وسائل الإعلام العربية نصبح أسرى هاجس ومرض اجتماعي، نحن في غنى عنه.
وتضيف أن الرشاقة والأناقة أمر مهم في حياة الشاب أو الفتاة، وأنا عن نفسي أتابع التطورات التي تحدث على جسمي، وأحاول ما استطعت أن أبدو رشيقة وجميلة، وليس ذلك بهدف أن يكون لي من المعجبين والمعجبات الكثير، ولكنها في الأساس حفاظ مني على صحتي ورشاقتي، وأتابع وزني باستمرار؛ فإذا وجدت زيادة قد ترهق جسدي وترهله أحاول جاهدة العمل على تخفيض الوزن من خلال "ريجيم"، أو تنظيم الطعام حتى يبقى جسمي كما أحب أن يكون رشيقا ومتناسقا.
وتضيف: "صحيح أن الوسامة ورشاقة الجسم في زوج المستقبل أمر مهم، ولكنه ليس الأساس، ويسبقه أن يكون الشاب على خلق ودين، المهم التناسق فيما بيننا، وألا يكون هناك تنافر في الشكل العام".
جمال مقنع
ياسر محمد شاب في الخامسة والعشرين من العمر أنهى دراسته الجامعية.. يقول: إنه لا توجد لديه شروط معينة للجمال في اختيار الزوجة، وإن النموذج الغربي المطروح عبر وسائل الإعلام لا أعيره اهتماما كثيرا.
ويرى ياسر أن الجمال الذي يرغب فيه أن يكون جمالا مقنعا له؛ فهو لا يريد زوجة عارضة للأزياء أو مانيكان، أو -كما يقولون- "موديل"، فهو يكفيه الجمال العادي الذي يريح النفس. ولكن ياسر صمت لحظة، وقال: أنا أخاف من السمنة، ولا أتصور أن تكون شريكة حياتي بدينة.
ولكن يشير ياسر إلى أن جمال الجسد وحده ليس شرطا أساسيا في اختيار الزوجة؛ فهناك عوامل أخرى ذات أهمية كبيرة، وهي درجة التدين والتعليم والنسب؛ فمثلا ألا يقل مستوى التعليم عن الثانوية العامة، وأن تتمتع بمستوى ثقافي يمكنها من فهمي ويمكنني من فهمها؛ حتى يكون هناك نوع من الانسجام في الحديث وتكافؤ ثقافي وفكري وأسري.
أما فيما يتعلق بمظهره وجسده؛ فالأمر يشغل حيزًا من تفكيره، ويرغب في المحافظة على وزن متناسق مع طوله وعدم الجنوح نحو السمنة، ويقول: "إذا لاحظت ترهلا أو سمنة في جسدي فإنني أسارع فورا إلى الرياضة والجري وعدم الإفراط في الأكل"، ويؤكد أنه يهتم بجسده، ولكن ليس بدرجة الهوس والهاجس.
"مشكلة عويصة " يقول ياسر: إذا بدأت الزوجة بعد الزواج في الميل نحو السمنة فسيكون هذا الأمر مؤرقا لي، ولكن سأبذل قصارى جهدي حتى لا تصل الزوجة إلى هذه المرحلة، ولكن إذا حدث ذلك فسيكون الأمر مقبولا عندي، ولكن على مضض.
أعتني بمظهري كثيرا
لا نجد اختلافًا كثيرًا في أحلام وطموحات الشباب نحو شريكة العمر ومظهرها الخارجي والداخلي؛ فالجمال أمر يهواه الجميع، وهو شرط في اختيار الزوجة. معتصم إبراهيم يرى أن الجمال مهم جدا إلى جانب الدين والخلق، ويقول: "لم أذهب إلى والدتي لتخطب لي واحدة مثل هذه أو تلك، ولكن أقول لها: أريدها بشكل يناسب طولي وجسمي وثقافتي". معتصم شاب طويل ونحيف، وفيه من عناصر الجمال الأمر المعقول، وهو يرى ألا تقل زوجته أو عروسه في المستقبل عنه جمالا ورشاقة.
يؤكد معتصم قائلا: أخشى من البدانة، وأسعى للحفاظ على رشاقة جسمي، وأهتم كثيرا بشخصيتي وهندامي، وهذا الأمر يأخذ من وقتي الشيء الكثير، وأرى أن من الواجب أن أظهر بشكل يعجبني –أولا- ويعجب الآخرين، وهذا الاهتمام غير مربوط بالزواج، وليس وسيلة لإغراء الجنس الآخر؛ فأنا أهتم بمظهري، وبالتأكيد هذا يؤثر على اختياري لزوجة المستقبل، ولكن على ألا أهمل العناصر الأخرى، وهي الثقافة ورجاحة العقل والفطنة والذكاء في شريكة المستقبل، وقوة الشخصية؛ فأنا أكره ضعف الشخصية في المرأة.
نعم هذه نماذج استعرضت فيها كيف يفكر الشباب الفلسطيني –ذكورا وإناثا- في أنفسهم وحياتهم، ومقاييس الجمال لديهم، وتأثير ذلك على حياتهم المستقبلية في اختيار شريك العمر.