مكانة المرأة في الإسلام
إن تقييم مكانة المرأة في الإسلام يعتبر من أهم القضايا الحساسة التي يهتم بها الغربيون ، وقد تناول كثير من الفقهاء والعلماء والمستشرقين قضية المرأة وكتبوا فيها كتابات مطولة وأختلفوا اختلافا كبيرا في كثير من الأمور مما جعل أعداء الإسلام يتخذون من تناقض الآراء ذريعة ينتقدون من خلالها الإسلام والمسلمين ويتهمونهم بأنهم يفرقون بين المرأة والرجل ويعتبرون المرأة مخلوقا ناقصا لا يتساوي مع الرجال في الحقوق ومن ثم فان الإسلام والمسلمون لا يطبقون المساواة بين الرجل والمرأة ولا يطبقون الميثاق العالمي لحقوق الإنسان .
وفي واقع الأمر هناك أخطاء أساسية أرتكبت عند تقييم وضع المرأة في الإسلام عبر التاريخ منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحتى يومنا هذا ولعل أكبر خطأ أرتكب في حق المرأة المسلمة هو الاعتقاد بأن المرأة المسلمة قد حصلت في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) على قمة التحرر بعد عهد الجاهلية حيث كانت المرأة متاع يورث وليس لها إرادة ولا كرامة بل أحيانا تحرم من حق الحياة ويتم وأدها بعد ولادتها مباشرة للتخلص من العبء المادي الناتج عن تربيتها والتخلص من العار الذي يمكن أن تجلبه لقبيلتها ان تحررت وخرجت عن تقاليدها .
أولا ـ حقوق المرأة في الإسلام
و بدون أدنى شك فان الإسلام قد كرم المرأة وكفل لها حق الحياة ونهى عن تلك البربرية التي كانت سائدة في الجاهلية ألا وهي وأد البنات ومنح المرأة من الحقوق ما رفع مكانتها وأعلى من شأنها بالنسبة لما كانت عليه قبل الإسلام . ومن الواضح جليا أن الاتجاه السائد في الخطاب القرآني وفي الأحاديث النبوية الشريفة هو المساواة التامة فيما يختص بالعبادات والواجبات الدينية. كذلك خصها الإسلام بالتكريم بوصفها أما ومنحها مكانة سامية في الجنة كما جاء في الحديث الشريف " الجنة تحت أقدام الأمهات " .
كذلك جاء في القرآن الكريم كثير من الآيات ومن المصطلحات التي تؤكد التسوية بين الرجل والمرأة وتكليف المرأة بنفس ما كلف به الرجل فيما عدا ما يتنافى مع طبيعة المرأة وتكوينها الفيزيائي والبيولوجي مثل الجهاد في سبيل الله حيث أن الجهاد فرض كفاية وليس فرض عين وأعفى الله سبحانه وتعالى المرأة من مسئوليتة الجهاد.
ومن هذه المصطلحات التي تؤكد التسوية بين الرجل والمرأة عبارات فيها ضبط قياسي وتطابق لغوي مثلما جاء في الآية الكريمة " والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما " (الآية 35 الاحزاب) وكان يمكن الاكتفاء بجمع المذكر فقط حيث أنه من المعروف في قواعد اللغة العربية أن جمع المذكر يشمل المذكر والمؤنث ولكن حرص الخطاب القرآني على تكرار جمع المؤنث للتأكيد على أن النساء لهن مثل ما للرجال من أجر وثواب. وكذلك الآيات " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب " و " هن متاع لكم وانتم متاع لهن " و " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " هذا التطابق او السيمتريا في الآيات الكريمة ما هي الا تأكيد على التكافؤ والتكامل بين الرجل والمرأة . ولقد عرف اللع سبحانه وتعالى الرجل والمرأة في كثير من الآيات الكريمة بأنهما الذكر والأنثى وقال " وانه خلق الزوجين الذكر والأنثى " (الآية 45 النجم) ولم يقل الرجل والمرأة لأنه سبحانه وتعالى أراد أن يعلمنا أن العلاقة بين الجنسين علاقة تقابلية فالذكر هو الطرف المقابل للأنثى وبالالتقاء يكون التكامل بينهما.
كما أن الخطاب القرلآني أكد على أن طبيعة المرأة من نفس طبيعة الرجل أي أنهما جاءا من بوتقة واحدة " ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ..." _الآية 1 النساء) ونلاحظ هنا أن الخطاب القرآني استخدم مصطلح رجال ونساء في الجمع ولم يستخدم ذكر وأنثى حيث أن الغرض من الآية هو التأكيد على العدد الكبير الناتج عن البث من النفس الواحدة التي خلقها.
ونجد نفس السيمتريا التطابقية والحرص التأكيد على التسوية بين الرجل والمرأة في مجال العبادات في هذه الآية " ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات..." (الآية 35 الأحزاب) للتأكيد على أن الله سبحانه وتعالى يخاطب الرجال والنساء معا ويكرم الاثنين معا.
كذلك هناك الآية الكريمة التي تؤكد على أن رأي المرأة لا يقل عن رأي الرجل وانها تشترك معه في الأمر والنهي في المجتمع الاسلامي" المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ..." (الآية 71 التوبة ).
وفي هذه الآية الكريمة تأكيد على أن المرأة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر تماما مثلما يفعل الرجل وليس فقط فيما يختص بأمور النساء والاطفال ولكن في كل الأمور المتعلقة بالدين والحياة والمجتمع والناس بدون أية تفرقة بينها وبين الرجل ولذلك استخدم الخطاب القرآني الجمع المؤمنون والمؤمنات ولم يستخدم المفرد الذكر والأنثى ، وكل هذه المعالم لشخصية المرأة المسلمة يلخصها لنا الحديث النبوي الشريف " النساء شقائق الرجال " والشقيق هو الأخ من الأب الذي يتساوى معك في جميع الحقوق.
وعبر التاريخ الاسلامي شاركت المرأة المسلمة مع الرجل جنبا الى جنب في الكفاح لنشر الاسلام والمحافظه عليه فقد اشتركت المرأة المسلمة في أول هجرة للمسلمين الى الحبشة وكذلك في الهجرة الى المدينة المنورة وخرجت مع الرجال في الغزوات التي قادها الرسول (صلعم ) لنشر الاسلام واشتركت في ميادين القتال ليس فقط لتمريض الجرحى بل للمقاتلة بالسيف أيضا بالرغم من انها معفاة من الجهاد ومن حمل السلاح.
والتاريخ الاسلامي يؤكد لنا أن أول شهيدة في الاسلام هي امرأة تمسكت بالدين الاسلامي وبالتوحيد وواستشهدت وهي تردد "أحد... أحد" وهو الشهيدة سمية من آل ياسر عليهم السلام . كما اشتركت النساء في مبايعة الرسول (صلعم) والمبايعة او البيعة معناها الانتخاب والتصويت طبقا لمصطلحاتنا الحديثة ، فقد بايعت النساء المسلمات النبي (صلعم) في بيعتي العقبة الاولى والثانية طبقا لما ذكرته كتب السنة وعن رواية للصحابية الجليلة أميمة بنت رقيقة حيث قالت " جئت النبي (صلعم) في نسوة نبايعه فقال لنا فيما استطعتن وأطقتن " . وهذه المشاركة النسائية في البيعة للرسول الكريم تعتبر اقرارا لحقوق المرأة السياسية طبقا لمصطلحاتنا اليوم اذ أن بيعة العقبة تعتبر عقد تأسيس الدولة الاسلامية الاولى في يثرب.
كما أن الاسلام منح المرأة حق الذمة المالية قبل كل الحضارات الأخرى التي كانت تعتبر المرأة ملكا لزوجها يتصرف هو في مالها بحرية وليس لها الحق في مراجعته وكان هذا هو حال المرأة الغربية في أوروبا منذ القرون الوسطى وحتى نهاية القرن التاسع عشر بينما المرأة المسلمة تمتعت بهذا الحق منذ ظهور الاسلام الذي كفل لها حق البيع والشراء وابرام العقود دون أي تدخل من أي رجل سواء أكان أبا او أخا او زوجا او ابنا.