ثانيا ـ الاختلاف حول تقييم مكانة المرأة في الاسلام
لا يستطيع الباحث في قضية مكانة المرأة في الاسلام أن ينكر أن الخطاب القرآني يقرر نوعا من التفاوت بين الرجل والمرأة خاصة فيما يتعلق بموضوع قوامة الرجل على المرأة كما ورد في الآية الكريمة " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ..." (الآية 34 النساء) .
لقد بدأت الآية الكريمة بالتأكيد على أن "الرجال قوامون على النساء" ، والقوامة هنا درجة في سلم القيادة او في ادارة الاسرة فالرجل هو رئيس الاسرة وله الكلمة العليا والمرأة هي مدير عام الأسرة تديرها كيف تشاء تماما مثل ادارة الدولة فالملك او رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ويساعدة في ادارة الدولة رئيس الوزراء أي رئيس الحكومة ( عندنا في مصر حين يتحدث الأزواج عن زوجاتهم يقولون عنهن "الحكومة" ) فالمرا’ هيي بالفعل الحكومة التي تحكم البيت والرجل هو رئيس البيت. ااذن القوامة لا تلغي دور المرأة وانما تعطي درجة أعلى للرجل في سلم القيادة.
وهذا ما أكد عليه الرسول الكريم (صلعم) في حديثه الشريف " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، ... والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ... والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم ألا فكلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته " لقد استخدم الرسول الكريم (صلعم) نفس المصطلح "راع" ليصف كل من الرجل والمرأة واستخدم كذلك نفس المصطلح"مسئول" ليصف مهمة كل منهما وهذا أكبر دليل على مفهوم التسوية التامة بين الرجل والمرأة فكل منهما راع ومسئول وهما مشترعان في الرعاية والمسئولية على البيت ولكن لكل منهما درجة في سلم القيادة ودرجة الرجل على أعلى السلم لأنه مثل ربان السفينة هو الذي يقودها ويوجهها ولا يمكن ا، يكون لأية سفينة منذ قديم الأجل وحتى زماننا هذا قائدان في نفس الوقت والا غرقت السفينة .
كما أن الرسول يأمرنا اذا سرنا ثلاثة في طريق أن نختار أحدنا أميرا علينا أي قائدا يحسم أي اختلاف في الرأي أثناء السير ويحدد اتجاه السير ، وهذا الاختيار للقيادة يشترك فيه الرجل والمرأة على حد سواء أي اقرار مبدأ الشورى في أي مجتمع فيه أكثر من ثلاثة أشخاص ، رجال كانوا أم نساء وهذا المبدأ أي مبدأ الشورى هومبدأ من المبادئ الاسلامية الأساسية التي يجب أن ينتهجها المسلمون في كل أمر من أمور دنياهم " وأمرهم شورى بينهم "( الآية 38 الشورى) ويستوى في الاستشارة الرجل والمرأة تطبيقا للآية الكريمة " المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وكما سبق وذكرنا فلا فرق هنا بين الرجل والمرأة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولقد خلص المفكر الاسلامي الدكتور محمد عمارة في تحليله لقوامة الرجل على المرأة الى القول " قوامة الرجل على المرأة لا تعني أنه القائد وحده وانما تعني ارتفاع مكانته اذا أهلته امكانياته ـ درجة تتيح له اتخاذ القرار ، في ضوء الشورى ، وليس الانفراد الذي ينفي ارادة المرأة وقيادتها ... ولو لم يكن هذا المضمون الاسلامي (للقوامة ) لما أمكن أن يكون كل من الرجل والمرأة راعيا في ميدان واحد ، هو البيت ... فهما أميران ـ راعيان وقائدان في ذات الميدان ... والقوامة درجة أعلى في سلم القيادة وليست السلم بأكمله (مجلة العربي العدد 330 مايو 1986).
وفي الحقيقة فان المجتمعات الغربية ونتيجة لسوء الفهم الناتج عن الكتابات المغرضة التي تشوه صورة الاسلام وخاصة صورة ومكانة المرأة المسلمة وتدعي أن المرأة في الاسلام تساوي نصف رجل لأن الاسلام لا يعطي المرأة الا نصف نصيب الرجل في الميراث ولأن الاسلام يعتبر شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد . وهذا المفهوم الخاطئ انما يعكس الجهل بالمفهوم الاسلامي لطبيعة المرأة من جهة ولطبيعة التكافل داخل الاسرة المسلمة من جهة أخرى ، فالرجل المسلم يتولى الانفاق على نساء الاسرة أي الأم والأخت والزوجة والابنة ومهما كانت المقدرة المالية ودرجة ثراء المرأة المسلمة فالأسرة والمجتمع والقانون تلزم الرجل في الدول الاسلامية بالانفاق على المرأة .
اذن في المجتمعات الاسلامية تأخذ المرأة نصيبها من الميراث تطبيقا لما جاء في الآية الكريمة " للذكر مثل حظ الانثيين " (الآية 11 النساء) ومن حقها أن تحتفظ به دون الانفاق منه ويلزم الرجل سواء أكان زوجها او أخوها او ابنها بالانفاق عليها ، فمن المنطقي اذن أن يحصل الرجل على ضعف نصيبها من الميراث لينفق على نفسه وينفق عليها .
ثم أن نصيب المرأة في الميراث يكون في أحيان كثيرة معادلا لنصيب الرجل بل أحيانا يفوق نصيب المرأة في الميراث نصيب الرجل. ومن أمثلة تعادل نصيب المرأة والرجل في الميراث حالة الوالدين اللذين يرثان ابنهما المتوفي فيحصل كل واحد منهما على " السدس" " ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد ..." (11 النساء). كما أن هناك حالات تحصل فيها المرأة أحيانا على نصيب أكبر من الرجل مثلا في حالة وفاة رجل له بنت واحدة وزوجة وشقيق ففي هذه الحالة يكون نصيب الزوجة الأرملة الثمن ونصيب الابنة الوحيدة "نصف ما ترك" ويتبقى للشقيق الرجل 3/8 من الميراث أي أن المرأة الابنة في هذه الحالة حصلت على ميراث أكبر من ميراث الرجل (الشقيق) والامثلة كثيرة ومتعددة فيجب تعريف ذلك والتأكيد على أن مقولة ميراث المرأة نصف ميراث الرجل مقولة نسبية ولا تطبق في جميع الحالات كما أشرنا وأثبتنا بالدليل القاطع .