عدد المساهمات : 136 نقاط : 5609 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 12/04/2010
موضوع: عواقب الشهوات السبت مايو 08, 2010 9:04 pm
عواقب الشهوات
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : (( الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة .. * فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة . * وإما أن تقطع لذةً أكبر منها . * وإما أن تضيّع وقتاً إضاعته حسرة وندامة * وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه. * وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خير له من ذهابه . * وإما أن تضع قدراً وجاهاً قيامه خير من وضعه . * وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذّ من قضاء الشهوة . * وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك . * وإما أن تجلب همّاً وغمّاً وحزناً وخوفاً لا يقارب الشهوة .. * وإما أن تنسي علماً ذكره ألذّ من نيلِ الشهوة . * وإما أن تشمّت عدوّاً وتحزن ولياً . * وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة . * وإما أن تحدث عيباً يبقى صفةً لا تزول ؛ فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق ))
أرأيت – أخي الحبيب – كم هي عواقب إتباع الشهوات وخيمة ، فلماذا يؤثر الناس لذة ساعة على نعيم الأبد ؟ ولماذا يقبلون على المعاصي والمحرمات إقبال الأسد على فريسته وكأن لسان حالهم يقول : لذات الدنيا نقدّ .. ونعيم الآخرة نسيئة ، ولا تنرك نقداً لنسيئة .. ولا يقول ذلك إلا شاك لم يستقر الإيمان في قلبه .. وهؤلاء أشر من الذي تغلبهم شهواتهم دون أن يكون لهم تأويلات باطلة .. فما أخذ المرء ما حرم عليه إلا من وجهين : أحداهما : سوء ظنه بربّه ، وأنه لو أطاعه وآثره لم يُعطه خيراً منه حلالاً . والثانية : أن يكون عالماً بذلك ، وأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، ولكن تغلب شهوته صبره ، وهواه عقله .
فالأول من ضعف علمه .. والثاني من ضعف عقله وبصيرته . [ الفوائد]
وعلاج هذا الضعف يكون بالعمل النافع والعمل الصالح ، وجهاد النفس الذي هو أشد من جهاد الأعداء . قال ابن المبارك في قوله تعالى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } [ الحج : 87] قال : هو جهاد النفس والهوى .
وإذا كان متبع الشهوات يعتمد على جانب العفو والمغفرة وينسى جانب العقوبة ، فإن العاقل ينظر إلى عظمة من عصى ، يبادر بالتوبة والإنابة ، ويضع نصب عينيه قوله تعالى { مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } [ النساء : 123] .
فيحجزه ذلك عن كثرة العصيان .. ويمنعه من التعرض لحمى القوي المنان .. وانتهاك محارمه.. قال صلى الله عليه وسلم (( ألا لكل ملك حمى ، ألا إن حمى الله محارمه )).
قال ابن الجوزي : وقد تَبْغت العقوبات ـ وقد يؤخرها الحِلم .. والعاقل من إذا فعل خطيئة بادرها بالتوبة .. فكم مغرورٍ بإمهال العصاة لم يُهمل !
وقد تتأخر العقوبة ، وتأتي في آخر العمر ؛ فيا طول التعثير مع كبر السنِّ لذنوب كانت في الشباب ..
فالحذر الحذر من عواقب الخطايا .. والبدار البدار إلى محوها بالإنابة ، فلها تأثيرات قبيحة إن أسرعت ، وإلا اجتمعت وجاءت ..
جهل أصحاب الشهوات إن الانشغال باللذائذ والشهوات دليل على خفة العقل وضعف البصيرة .
قال ابن الجوزي : (( أشد الناس جهلاً منهوم باللذات ، واللذات على ضربين : مباحة ومحظورة . فالمباحة لا يكاد يحصل منها شيء إلا بضياع ما هو مهم من الدين ، فإذا حصلت منها حبَّةٌ ، قارنها قنطار من الهمّ .. ثم لا تكاد تصفو في نفسها ، بل مكدَّراتها ألوفٌ .. فهي تغُّر الغَمر ، وتهدم العمر ، وتديم الأسى .. ومع ذلك فالمنهوم كلما عبّ من لذةٍ طلب أختها ، فلا يزال كذلك إلى أن يختطف بالموت ، فيلقى على بساط ندم لا يُستدرك .
فالعجب ممن همته هكذا مع قصر العمر ، ثم لا يهتم بآخرته التي لذتها سليمة من كل شائب ، منزهة عن كل عائب ، دائمة الأمد ، باقية ببقاء الأبد !! وإنما يحصل تقريب هذه بإبعاد تلك ، وعمران هذه بتخريب تلك .
فواعجباً لعاقل حصيف حسن التدبير ، فاته النظر في هذه الأحوال ، وغفل عن التمييز بين هذين الأمرين .
وإن كانت اللذة معصية انضم إلى ما ذكرناه : عار الدنيا والفضيحة بين الخلق ، وعقوبة الحدود ، وعقاب الآخرة ، وغضب الحق سبحانه ..
بالله إن المباحات تشغل عن تحصيل الفضائل ، فذم ذلك لبيان الحزم ؛ فكيف بالمحرمات التي هي غاية الرذائل ؟!
أخي الحبيب : إن الإسلام دين الوسطية والاعتدال والقصد في كل الأمور .. ولذلك فإنه لم يحرم على الناس الشهوات مطلقاً كما فعلت الرهبانية بأتباعها .. ولم يطلق لهم عنان الشهوات مطلقاً كما فعلت الحضارة المادية الإباحية ، ومن ينظر اليوم في أحوال العالم المعاصر وما يعانيه من أزمات أخلاقية ليدرك عظمة الإسلام وبديع نظامه الذي هو كفيل بإصلاح البشرية وإخراجها من أزماتها في كل زمان ومكان .
إن العالم الغربي اليوم يحصد ما زرعه من مشكلات تكاد تعصف بالمجتمعات الغربية بأسرها ، مما حدا بعقلائهم تمني أن يكونوا من أبناء الشرق .. تقول الكاتبة ( أرنون ) : ( لأن يشتغل بناتنا في البيوت خوادم خير وأخفّ بلاء من اشتغالهن بالمعامل حيث تصبح المرأه ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد ؛ ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين ، فيها الحشمة والعفاف والطهارة ) [ المرأة وكيد الأعداء ] .
إن عواقب الشهوات لا تقتصر على العواقب الأخروية فحسب بل هناك عقوبات يصطلي بنارها أهل الشهوات في الدنيا قبل أن يصطلوا بنار الآخرة ومن ذلك :
1- الطواعين العامة والأمراض الفتاكة التي يسلطها الله على أهل الشهوات ، ومن أشهر هذه الطواعين والأمراض : مرض الإيدز الذي يفتك كل عام بملايين البشر ، والذي يصيب شخصاً كل أربعة دقائق في العالم .
2- الموت العالم الذي يسلطه الله على الناس لعلهم يرجعون عن غيهم ويعودون إلى رشدهم ، وقد كثر الموت العامل في هذه العصور المتأخرة وتنوعت أسبابه من زلازل وفيضانات وانهيارات أرضية وتغيرات مناخية وجفاف وغير ذلك .
3- كثرة الحروب وما ينتج عنها من ضحيا يعدون الملايين .
4- تفكك عرى الحياة الزوجية بسبب الخيانات الزوجية وانفلات كل من الزوجين ، وانشغال كل منهما بإشباع غريزته التي تزداد يوماً بعد يوم قوة وسعاراً .
5- ضياع الأبناء بسبب عدم تحمل الآباء مسؤولية تربية أبنائهم ، بل إن كثير من الآباء في العالم الغربي من يطرد ابنته من البيت ويطالبها بالإنفاق على نفسها ولو عن طريق امتهان البغاء وممارسة الرذيلة .
6- تزايد جماعات الشواذ والاعتراف بحقوقهم حتى صار الزواج بين المثلين –الرجل والرجل ، والمرأه والمرأه – أمراً شائعاً لا غرابة فيه !! وهذا – بلا- شك يهدد بفناء الجنس البشري ، ويدمر العلاقات الإنسانية بين بني البشر .
واعلموا أن في ملازمة التقوى مرارات من فقد الأغراض والمشتهيات ، غير أنها في ضرب المثل كالحمية تعقب صحة ، والتخليط ربما جلب موت الفجأة ..
بالله لو نمتم على المزابل مع الكلاب في طلب الخالق كان قليلاً في نيل رضاه ..
ولو بلغتم نهاية الأماني من أغراض الدنيا ، مع إعراضه عنكم ، كانت سلامتكم هلاكاً ، وعافيتكم مرضاً ، وصحتكم سقماً ، والأمر بآخره ، والعاقل من تلمّح العواقب .. فصابروا رحمكم الله على هجير البلاء ، فما أسرع زواله .
والله الموفق إذ لاحول ولا قوة إلا به ، ولا قوة إلا بفضله .