الصلاة التي نريد
والصلاة التي نريد ليس هي التي يؤديها كثير من الناس بلا روح ولا خشوع ولا طمأنينة ولا تفكر في معانيها ، فإن مثل هذه الصلاة لا تأثير لها في حياة صاحبها ، فالمقصود بالصلاة إنما هو تعظيم المعبود ، وتعظيمه لا يكون إلا بحضور القلب في العبادة . وقد كان بعض السلف يتغير وجهه خوفاً إذا حضرت الصلاة ويقول : أترون بين يدي من أريد أن أقف ؟ فإذا أردت استجلاب حضور قلبك الغائب ، ففرّغه من الشواغل ما استطعت .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الرجل لينصرف من صلاته وما كتب له إلا عشر صلاته ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها )) [ رواه أحمد وأبو داود وحسَّنه الألباني ] .
فهلا سألت نفسك أخي : ماذا كتب لك من صلاتك ؟ بل هلا سألت نفسك هل قبلت صلاتك أم لا ؟ .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة ، فإن صلحت ؛ صلح سائر عمله ، وإن فسدت ؛ فسد سائر عمله )) [ أخرجه الطبراني وصححه الألباني ] .
فالصلاة التي نريد هي الصلاة التي تستجاب بها الدعوات ..
الصلاة التي تكشف بها الكربات ...
الصلاة التي تنزل بها الرحمات ...
الصلاة التي تُدفع بها البليَّات ...
الصلاة التي تقرّب العبد من ربّ البريات ...
فأين نحن من هذه الصلاة .. ؟
الصلاة لوقتها
قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾ [النساء: من الآية103] وقال تعالى:﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾ [مريم:59 ]
قال أحد السلف : أما إنهم ما تركوها بالكلية ولكن أخروها عن أوقاتها ..
وقال تعالى : ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾[ البقرة:238]، وقال تعالى : ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طـه: من الآية14] .
وسئل صلى الله عليه وسلم : (( أيُّ العمل خير ؟ فقال : (( الصلاة لوقتها )) [ متفق عليه ] .
تعظيم شأن الصلاة
ولقد كان السلف رضوان الله عليهم يعظمون شأن الصلاة ، ويهتمون بها أعظم اهتمام ، فكانوا يتسابقون إلى المساجد حال النداء ، ويحرصون على حضور تكبيرة الإحرام مع الإمام .
قال سعيد بن المسيب : ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة ! .. وقال : ما نظرت في قفا رجلٍ في الصلاة منذ خمسين سنة ، يعني أنه لم يصلّ إلى في الصف الأول منذ خمسين سنة .
وقال وكيع بن الجراح : كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى !
وقال ابن سماعة : مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى إلا يوم ماتت أمي ( ).
إن تعظيم شأن الصلاة يكون بأمور :
الأول : رعاية أوقاتها وحدودها .
الثاني : التفتيش عن أركانها وواجباتها وكمالها .
الثالث : المسارعة إليها عند وجوبها .
الرابع : الحزن والكآبة والأسف عند فوات حق من حقوقها ..
كمن يحزن على فوت الجماعة ، ويعلم أنه لو تُقُبّلت منه صلاته منفرداً ؛ فإنه قد فاته سبعة وعشرون ضعفاً .
وكذلك إذا فاته أول الوقت الذي هو رضوان الله تعالى ، أو فاته الصف الأول .
وكذلك فوت الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها بين يديّ الرب تعالى ، الذي هو روحها ولبُّها ، فصلاة بلا خشوع ولا حضور كبدن ميت ولا روح فيه ( ) .