المسلم إنسان إيجابي يكره السلبية والإمعيةولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلا ونموذجاً رائعاً في الايجابية , وقد ذكرت لنا كتب السيرة هذا الموقف الخالد الذي يدل على ايجابيته صلى الله عليه وسلم في مواجهة الأمور وهو أمر الإراشي الذي باع أبا جهل إبله.
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثقفي, وكان واعية, قال: قدم رجل من أراش- قال ابن هشام: ويقال أراشة – بإبل له بمكة, فابتاعها منه أبو جهل, فمطله بأثمانها, فأقبل الأراشي حتى وقف على ناد من قريش, ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد جالس, فقال: يا معشر قريش, من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام فإني رجل غريب, ابن سبيل, وقد غلبني على حقي, قال: فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرجل الجالس- لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم يهزؤن به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة- اذهب إليه فإنه يؤديك عليه.
فأقبل الأراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا عبد الله, إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله, وأنا (رجل) غريب ابن سبيل, وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه, يأخذ لي حقي منه, فأشاروا لي إليك, فخذ لي حقي منه, يرحمك الله, قال: ((انطلق إليه)) وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رأوه قام معه. قالوا لرجل ممن معهم: اتبعه فانظر ماذا يصنع, قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه, فضرب عليه بابه, فقال: من هذا؟ فقال: (( محمد فاخرج إلي)) فخرج إليه وما في وجهه من رائحة, قد انتقع لونه, فقال: (( أعط هذا الرجل حقه)) , قال: نعم, لاتبرح حتى أعطيه الذي له, قال: فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه (قال)’ ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال للأراشي: ((الحق بشأنك)) فأقبل الأراشي حتى وقف على ذلك المجلس, فقال: جزاه الله خيراً فقد والله أخذ لي حقي.
قال: وجاء الرجل الذي بعثوا معه, فقالوا: ويحك ماذا رأيت؟ قال: عجباً من العجب, والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه, فخرج إليه وما معه روحه, فقال له: أعطِ هذا حقه, فقال: نعم لا تبرح حتى أخرج إليه حقه, فدخل فخرج إليه بحقه, فأعطاه إياه, قال: ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء, فقالوا (له) ويلك مالك والله ما رأينا مثل ما صنعت قط, قال ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب عليّ بابي وسمعت صوته, فملئت منه رعبا, ثم خرجت إليه, وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط, والله لو أبيت لأكلني. ( السيرة النبوية لابن إسحاق 1/64 , دلائل النبوة للبيهقي 1/69 ).
ولقد اقتدى الصحابة الكرام بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك , فها هو الصديق أبو بكر رضي الله عنه حينما أسري بالنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتدّ ناس. فمن كان آمنوا به وصدقوه وسمعوا بذلك إلى أبي بكر -رضي الله تعالى عنه-، فقالوا: هل لك إلى صاحبك، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس، قال: أوَقال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق.
قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح.
قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي أبو بكر الصديق. (الحاكم في مستدركه ج 3/ ص 66 حديث رقم: 4407 السلسلة الصحيحة 1/615 ).
يروى أن مسلمة بن عبد الملك كان في جملة من الجند يحاصرون إحدى قلاع الروم ، وكانت محصنة والدخول إليها صعباً إلا من نقب فيها تخرج منه أوساخ المدينة ، فوقف مسلمة ينادي في الجند : من يدخل النقب ويزيح الصخرة التي تحبس الباب ويبكر حتى ندخل فقام رجل قد غطى وجهه بثوبه وقال إنا يا أمير الجند ودخل النقب وفتح الباب ودخل الجند القلعة فاتحين .. وبعدها وقف مسلمة بين الجند ينادي عن صاحب النقد حتى يكرمه على ما فعل ، وكان يردد من الذي فتح لنا الباب فما يجيبه احد ! فقال أقسمت على صاحب النقب أن يأتيني في أي ساعة من ليل أو نهار . فطُرق باب مسلمة طارق ليلاً ، فيلقاه مسلمة مستبشراُ أنت صاحب النقب فقال الطارق هو يشترط ثلاثة شروط حتى تراه . قال مسلمة وما هي . قال : ألا ترفع اسمه لدى الخليفة ولا تأمر له بجائزة ولا تنظر له بعين من التمييز ، قال مسلمة افعل له ذلك . فقال الطارق أنا صاحب النقب وانصرف وترك جيش مسلمة ذاهبا إلى سد الثغور في أماكن أخرى\" ( ابن منظور : مختصر تاريخ دمشق 7/273 ) .
ولن يعود مجد المسلمين ولا عزتهم إلا إذا عادة لهم ايجابيتهم التي هي مصدر خيرتهم , قال تعالى :\" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ \" ( آل عمران 111).
اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم يا ذا الأمر الرشيد والحبل الشديد أسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود.