حين يموت الإنسان ويفضي إلى ما قدم ينقطع عمله إلا من ثلاثة:"صدقة
جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"( رواه مسلم ( 1631) .
ونصيب المدرس لا يقف عند واحدة من هذه الثلاث، بل يظفر بها جميعاً كما
بيَّن ذلك الحافظ بدر الدين ابن جماعة حين قال:"وأنا أقول : إذا نظرت وجدت معاني
الثلاثة موجودة في معلم العلم، أما الصدقة الجارية فإقراؤه إياه العلم وإفادته إياه،
ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في المصلي وحده : "من يتصدق على هذا؟"
(رواه أحمد ([11016] 3/14) وأبو داود (574) والدارمي (1368). أي بالصلاة معه لتحصل
له فضيلة الجماعة، ومعلم العلم يحصل للطالب فضيلة العلم التي هي أفضل من صلاة في جماعة،
وينال بها شرف الدنيا والآخرة. وأما العلم المنتفع به فظاهر؛ لأنه كان سبباً لإيصال
ذلك العلم إلى كل من انتفع به. وأما الدعاء الصالح له فالمعتاد على ألسنة أهل العلم
والحديث قاطبة من الدعاء لمشايخهم وأئمتهم… فسبحان من اختص من شاء بجزيل عطائه"
(تذكرة السامع والمتكلم ( 63 - 64 ) .
وانظر إلى الثمرة التي جناها أبو حنيفة رحمه الله حين علَّم مسألة واحدة،
قال مكي بن إبراهيم:"كنت أتجر فقال لي الإمام: التجارة بلا علم ربما تورث فساد
المعاملة، فما زال بي حتى تعلمت، فما زلت كلما ذكرته وذكرت كلامه وصليت أدعو له بالخير؛
لأنه فتح عليَّ ببركته أبواب العلم"(من أعلام التربية الإسلامية ( 1/44) نقلاً
عن مناقب أبي حنيفة للكردي ( 138).